هزاع البراري - كما هي الرمال الذهبية، تمتد صور الطفولة، كأنها نقش مغرق بالبوح والشقاوات، التي نثرت في فضاءات البادية الحافظة لأسرار الحرات والبراكين المنطفئة كجمر نار الشعراء الصعاليك، عندما أخذهم الليل وابتعدت بهم الخيل ذات برد قارس جاس عمق البيداء.
هكذا انفلت إيقاع صرخة ميلاد فخري قعوار الأولى، مقرونة بالامتداد الرحب، في البادية الشرقية، حيث تتكئ الأجفور (الرويشد حاليا)، على سيف الصحراء، المستندة إلى قاعدتها في الجزيرة العربية. لم تكن الأجفور مسقط الرأس وحسب، بل كانت وما تزال منبع الذاكرة، ودافع الكتابة الغامض، فكأنما فخري قعوار، يجس ملامح المجهول من قلب هذا الجماد المليء بالأسرار ودفائن العشاق، وجيوش الإمبراطوريات البائدة، ذات تاريخ ما يزال يلهج بالعطش والصمت.
النجوم والكواكب ترسم معالم الطريق ساعة التيه، ونقش دروب الحظ للمواليد، غير أن المكان فرض كلمته الناهضة نحو التأويل غير المنتهي، لذا سلك قعوار مسالك الحياة الوعرة منذ مولده في التاسع من حزيران 1945، ولم ينظر عندما دبت خطوته الأولى على أديم التراب العطش، إلى القادم، إلا بوصفه الأفضل، والمستحق للمكابدة، فسار نحو المدرسة كمن يفش عن الدهشة في مسام الرمل، وتحت حجارة الدرب الطويل، فالمدرسة ليست مجرد مكان لالتهام المعرفة وتعلم المهارات وحسب، بل كانت ملاذا لأحلامه الكثيرة التي توالدت كلحظات العمر المتلاحقة، لذا كان لدرس اللغة العربية فضاؤه الخاص، الذي يحلق فيه مثل طائر الفينيق، إلى حيث الحكايات والشعر، والكلمات المزركشة بالأخيلة الخصبة. المدرسة درج نحو عالم منفتح على الغموض والمجاهيل المدرة للتفكير والتخيل.
في العام 1964، تمكن فخري قعوار من الحصول على شهادة الثانوية العامة المصرية، عندما خاض غمار الغربة صغيرا، ليدخل الكلية الإبراهيمية في مدينة القدس، حيث درج بعض أهل الأردن على إيفاد أبنائهم إلى القدس للحصول على الثانوية العامة، وهذا منحه فرصة التعرف على هذه المدينة العريقة، وأن يبني علاقة معها صبغت توجهاته في ما بعد نحو القومية العربية، الرافضة لكل أشكال الاحتلالات والهيمنة غير الشرعية. بعد ذلك التحق فخري قعوار بجامعة بيروت العربية في الجمهورية اللبنانية، وقد دفعه حبه للأدب والكتابة التي بدأت تباشيرها في الظهور منذ بواكير التفتح، إلى التسجيل في قسم اللغة العربية، وقد كان لهذه المرحلة دورها الكبير في بناء وعيه، ومكنته من الاطلاع على واقع جديد من المعرفة والثقافة، وقد تمكن من الحصول على درجة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها في العام 1971.
كان دخول فخري قعوار إلى الحياة العملية، عبر الطريق الصعبة، حيث عمل مدرسا للغة العربية، في المدارس الخاصة في محافظة الزرقاء، وقد انتقل بعدها إلى عمان، وانخرط في مدارسها معلما مدة ثلاثة عشر عاما، امتدت من العام 1967 حتى العام 1980، وهو العمل الذي أحبه واستمر فيه هذه المدة، رغم أن روح الكاتب تميل إلى التمرد، وتحاول دائما الفكاك من أسر الوظيفة، غير أن قعوار الذي أخلص لهذه المهنة التي امتهنها كبار الكتاب، لم تكن له طموحات بعيدة عن عالم الأدب والإبداع، فالوظيفة عند مجرد مصدر للحصول على مستلزمات العيش، وهو أمر لا بد من مقارعته.
في المرحلة الثانية من العمل، انتقل للعمل في جامعة اليرموك في إربد، وذلك خلال فترة تأسيسها، منتصف سبعينيات القرن الماضي، غير أن هذا العمل لم يستمر إلا فترة وجيزة لم تتجاوز أشهر قليلة، حيث فصل من عمله لآرائه وكتاباته، خصوصا عندما كتب مقالة بعنوان عمان في القلب ، وبذلك خرج فخري قعوار من أسر الوظيفة، وانطلق أكثر في عالم الكتابة الإبداعية والصحفية، مرسخا اسمه كأحد أبرز كتاب القصة في الأردن، حيث بدأ مشواره مع القصة القصيرة منذ كان طالبا في المرحلة الإعدادية، وقد أذيعت أولى قصصه عبر أثير الإذاعة الأردنية في العام 1962، وكان لهذه الحادثة صداها الكبير في نفسه، وأسهمت في جعل كتابته للقصة القصيرة أكثر جدية، فقد حصل مقابل بث القصة على مكافأة مالية، لها مدلولها العميق في نفسه.
نشط فخري قعوار في مجال النشر من خلال الصحف والمجلات العربية منذ كتاباته الأولى، حيث نشر في القصة المصرية، و الأديب اللبنانية، و الأفق الجديد المقدسية، وصحف الجهاد و الدفاع و فلسطين و المنار وغيرها، بالتالي نشر اسمه ككاتب على رقعة الوطن العربي الكبير، وحقق بذلك حضورا إبداعيا واضحا.
يوصف قعوار بغزارة الإنتاج وتنوعه، حيث أصدر في القصة القصيرة عددا من المجموعات القصصية والروايات منها: ثلاثة أصوات ، وهي مجموعة مشتركة، صدرت العام 1972، لماذا بكت سوزي كثيرا ، ممنوع لعب الشطرنج ، أنا البطريرك ، البرميل ، عنبر الطرشان ، لا تغرب الشمس . وكتب للأطفال أيضا، وقد أصدر مؤخرا مجموعة قصصية بعنوان الخليل والليل ، كما برز في كتابة الأدب الساخر، حيث أصدر في هذا المجال يوميات فرحان فرح سعيد و مراسيم جنازتي و لحن الرجوع الأخير ، وقد جمعت هذه الكتابات تحت عنوان الأعمال الساخرة التي صدرت العام 2007، ثم أصدر بعدها في المجال نفسه يوم الضحك .
كان لفخري قعوار عمله الصحفي الراسخ، من خلال مقالته في صحيفة الرأي ، بالإضافة لصحف ومجلات محلية وعربية، وقد شكل قلمه في هذا المجال فاصلة مهمة في الصحافة الواعية والملتزمة، وقد عمل على جمع عدد كبير من مقالاته الصحفية، وأصدرها في عدد من الكتب منها: أوراق في الفن و ليالي الأنس و شجرة الورد . ويعد قعوار من الجيل المؤسس لرابطة الكتاب الأردنيين، حيث انتسب للرابطة منذ نشأتها في العام 1974، وهو من أعضائها البارزين والناشطين نقابيا، حيث انتخب ضمن هيئتها الإدارية لأكثر من مرة، ونظرا لفعاليته ودأبه، تمكن من قيادة الرابطة مدة أربع دورات، استطاع خلالها من الوصول إلى منصب الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، عندما انتخب في العام 1992، في المؤتمر العام الذي عقد في عمان، وقد تم التجديد له خلال الانتخابات التي جرت في الدار البيضاء بالمغرب في العام 1995.
وفي مجال العمل العام، خاض فخري قعوار انتخابات مجلس النواب في العام 1989 بنجاح، وأصبح نائبا عن مدينة عمان، وقد استثمر خبرته في الصحافة، خلال عمله رئيسا لتحرير لمجلة وسام الخاصة بالطفل، والتي تصدرها وزارة الثقافة، وعمل بعد ذلك رئيسا لتحرير صحيفة الوحدة الأسبوعية، وهي صحيفة سياسية ثقافية، أسست في العام 2001.
يعد قعوار من الكتاب الذين يكتبون في أجناس أدبية متعددة، فلقد كتب القصة، والمسرحية والرواية، بالإضافة إلى اهتمامه بالأدب الساخر والمقالة الصحفية، إلا أنه تميز بالكتابة الدرامية، حيث قدم عددا من المسلسلات الإذاعية الهادفة، التي كان لها صداها الواسع والمؤثر في الشريحة الأوسع من الناس.
يقف اليوم الكاتب الكبير فخري قعوار، قامة إبداعية ذات حضور راسخ، وعلى كتفيه تنهض مؤلفات أصيلة، تبقى خالدة بالفن والمعرفة، وبالآفاق الرحبة التي عبرت عن مراحل جيل كامل من المثقفين والمبدعين، وما يزال هذا المبدع الصادق يلهج بالكتابة والأفكار الجديدة، ويجود بقلمه السيال بكل جديد مع اشراقة كل نهار مختلف بنكهته ولون مسائه، لكأن الكتابة عنده نهج حياة، ومرآة لغد ما يزال يأتي.
2011-01-03
فخري قعوار.. الكتابة غد ما يزال يأتي
فخري قعوار.. الكتابة غد ما يزال يأتي
التسميات:
محافظة المفرق
Blog Archive
Feedjit
المشاركات الشائعة خلال 7 أيام
-
عشيرة المشاقبة تعد من بين أكبر عشائر بني حسن في العدد و تفرعت عبر الزمن الى عشائر كثيرة... المشاقبة يقسمون الى: 1. المشاقبة الشمالية وهم سكا...
-
لهجة بني حسن الأصلية لهجة أردنية مختلطة من اللهجات البدوية و فلاحين الاردن، و لكنها حديثا امتزجت و ضمت لهجات عربية منوعة شامية و مصرية و خلي...
-
واقعة العديسية: العديسية مكان مطل على الشونة -وفي كتاب المواقع الجغرافيه في الأردن وفلسطين يقول:العديسية قرية جنوب غربي عمان على طريق ناعور...
-
أسماء اشهر العائلات المسيحية في محافظة المفرق السهاونة و حداد و النمري و بقاعين و جوينات ومرجي و دبابنة الأكثر عددا السهاونة و معظمهم في م...
-
فريق الرأي: سامي الزبيدي ظاهر الضامن محمد الحوامدة توفيق أبو سماقة المصور: سهم الر...
-
شركة منطقة كادبي الصناعية الـمـنطـقـة الحــرة الصـنـاعـيــة الخـاصــة الأولـى والوحـيدة فــي الـشـرق...
-
يظهر في الصور الدروز و بعض الأناس من عشائر الدعجة في الخيم ممنوع نقل الصور منا باتا تحديث: بعض من يظهر في الصور من عشيرة الدعجة قبلان بن حمو...
-
ارتفاع المناطق المحافظه: المفرق البلد=690 جامعة ال البيت=680 المنشية بني حسن =800 الزعتري=670 مناطق قضاء رحاب=850 إلى 900 ام القطين 950 متر...
-
أم النعام.. مع الثورة لأهل قرية أم النعام، الواقعة على بعد 8 كيلومترات غرب المفرق، ذاكرة مع الثورة العربية الكبرى، وتاريخ يكتب عن مقاوم...
الاسم الكامل لصاحب المدونة
ALMafrag/إرشيد محمد إرشيد شحادة حميدان مفلح الراشد الهويّن الجرايدة عبدالحق محمد صالح سليمان حمد الأمير جراد/Jordan
0 التعليقات:
إرسال تعليق