القلب إذ يتوضأ بماء القيعان!
كتابة وتصوير: جهاد جبارة
تتقطع نياط القلب وهو يخفق طوال مائتين واثنين وستين كيلو متراً، خارجاً من عمان ليقود عربة الرغبة العارمة فوق طريق مُعبدة بالسراب,تقود إلى "الرويشد" أقصى الشمال الشرقي من المملكة، وهي تحديداً تتعلّق على ذلك الجزء الذي يُمثّل يد دلة القهوة التي تشبهها إلى حد كبير خارطة الأردن. وما أن يتوقف القلب هناك,حتى تصدمه تلك البيوت الطينية العتيقة التي بات معظمها مهجوراً إلا من الذكريات، و"خرابيش" رسمها الأطفال على الجدران الداخلية طوال عبث طفولة.
يُعاود القلب خفقانه، وهو يركض ثانية ما يزيد عن سبعين كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من "الرويشد"، وعلى سراب آخر يقود القلب رغبته، واشتياقه للقاء تلك التحفة المترامية الأطراف والتي لا نبات فيها، ولا مجرّد كائن مهما صغر حجمه، حتى لو كان نملة!. هناك يعتقد المُرتحل أنه وحيداً يسكن هذا الكوكب وعلى أرضه المشقّقة التي تمتد إلى ما لا نهاية,تتصف بالهديئة، والسكون الذي يتغير ليلاً ليغدو سكناً، ومرتعاً للرياح التي تخالها الأذن عواء ذئاب تبحث في ليل البيداء عن صُحبة لها!. إنه قاع"أم المناجي" المشقّق، الجاف صيفاً والذي يغدو بحراً يصعب عبوره فيما إذا أشفقت الغيمات وأمطرته بوابل من حمولتها شتاءً.
إن من أكثر اللحظات متعة يمكن للإنسان أن يستشعرها هناك هي أن يُلقي بحذائه بعيداً ليقطع تلك المسافات ..الجافة,المُشقّقة حافياً، تاركاً ذرات التراب الذي جُبل منه ذات خليقة تعبر مسامات القدمين
وفي لحظات، تغيب عن المُخيلة فكرة أن الوحدة، والفراغ هو ما يتصف به المكان، يحدث هذا حينما تلمح العين بعض أسراب من الطيور الجارحة وهي تحوم مُتأهبة للهبوط كي تُريح أجنحتها من عناء رحلتها الطويلة. يتابع القلب مشواره على تلك الرُقعة البُنية التي لا خضار يُوشيها، قاطعاً المسافة، تلو المسافة، غارقاً في حلم البحث عن الماء، بينما السراب الذي يُرافق عادة حرارة الظهيرة، يأخذ طريقه نحو المكان ليطغى زراقه على عدة بُقع من الإمتداد الترابي بُنيّ اللون. إن هذا السراب الكاذب لا يُغري القلب الخبير,ولا يُشغله عن المُضي قدماً في بحثه الحثيث عن الماء الحقيقي,فيواصل ترحاله دون كلل إلى أن يلتقي بالماء على أطراف ذلك القاع الذي ظنه صفصفا!. يسجد القلب على مشارف الماء ليتوضأ بدمع الغيم الذي عبأ المكان حتى أضحى ملاذاً للطيور العطشى، والتي راح بعضها يغسل ريشه كي يُزيل عنه العرق الذي بلله جراء خفقان مُتواصل. يُراقب القلب كل ذلك بهدوء، وسكينة ثم يرنو للفضاء، يود لو أن تلك البجعة التي أنهت وضوءها للتو وحلّقت بعيداً حملته إلى حيث ترتحل
|
0 التعليقات:
إرسال تعليق