المفـــرق
"الى الأصدقاء سرحان وتوفيق ومحمد وسمير ومحمود وكل شركاء ذلك التيه الجميل"
شعر: عيسى بطارسه
كم كنتَ جميلا،
كم كنتَ أليفاً ووفياً ونبيلا!
تجمَعُنا في ظلِّ جناحيكَ،
تحيط شقاوَتَنا برضى الآباء الأبرارِ،
فيحلو العُمرُ،
وتحلو الأيامُ ..
لكم كنتَ كبيراً،
تصفو في الحاراتِ أماسيكَ،
وتدنو في الليلِ الأنجمُ من سقفِ الأرضِ
وتدنو لتمسَّ سُطوحَ منازلنا!
وتضيءَ قصائدَنا الخجلى!
كان الليلُ على طولِ لياليكَ،
رَحيلاً لا يتعبُ
فوقَ نياقِ الصّحراءِ،
رَحيلاً نحوَ الزمنِ الأبهى،
زمنِ العِشقِ الأولِ،
وإلى نمنمةِ الأحلامِ ..
على أعتابِ بُيُوتِ الطينِ المنثُورةِ
كرُسُومِ الأطفالِ،
تمرُّ الأيامُ كقاطرةٍ من عسَلٍ ..
ماذا فيك تُرى؟
من أيِّ الأزمانِ الحلوةِ جئتَ إلينا؟
يابدوياً ولدتهُ الصّحراءْ.
يا بدوياً جبَلتهُ الكثبانُ الرّمليةُ،
وبنتْ خيمَتَهُ عندَ حُدودِ الكونِ
على شُرفاتِ الغيمِ النّاصعةِ البيضاءْ.
تُسدِلُ جفنيكَ علينا في دعَةِ الأصحابِ،
فَننمُو في عينيكَ، وَنعشقُ رائحةَ المسكِ
وموسيقى الأمطارِ،
نَهيجُ على رائحةِ الأرضِ المبلولةِ ..
وعلى وقعِ الفرحِ العابثِ نلهو بالخَرزِ الأزرقْ،
يتدلّى فوقَ جبينكَ ..
يا بلدي .. المفرَقْ.
* * *
يا بلدي المفرقْ،
في حاراتك كنا كرفُوفِ عَصافيرِ الدّوريِّ البريّةِ
فَتدَجّنّا ..
وعلى أيديكَ تعلّمنا الألفةَ والحبْ.
وتعلّمنا أن نعشقَ مَسجُوناتٍ،
خلفَ نوافذَ لا يفتَحُها إعصارٌ أو قدرٌ ..
فكتَبنا الشّعرَ وأطلقناهُ يماماتٍ زاجلةً
تلهو بمَقابضِ أبوابِ حبيباتِ القلبْ!
يضطرمُ الشّوقُ بنا،
فنجِيئكَ أفواجاً أفواجاً ..
نسمُرُ حولكَ في ضوءِ القمرِ المتّكئِ
فوقَ سياجِ الصّحراءِ،
على مرأى منكَ، ومنهُ،
نُشكّلُ أوجهُهنَّ على الرملِ الناعمِ بأصابِعنا،
ونروحُ نصيخُ السّمعَ لبوحِ العُشّاقِ
القادمِ من قلبِ الصحراءِ
نلملمُ من ذاكرةِ العشقِ قصائدَ
ما زالت ترعى قلبَ الأيامِ
يضجُّ الحبُّ بِها .. وبنا،
فتَرانا نأخذُ من يدكَ الأقلامَ .. ونكتبْ.
* * *
يا بلدي
يا بلدي المفرقْ.
مَمْحاةُ الأيامِ على أوراقِ العُمرِ ..
تَجيءُ وتذهبْ.
غرقتْ في بحرِ النّسيانِ،
مئاتُ البُلدانِ،
مئاتُ الأوطانِ،
ووحدُكَ يا بلدي ..
وحدُكَ
وحدُكَ
لم تغرقْ!.
يا بلدي المفرق.
لوس أنجيليس / آذار 1994
0 التعليقات:
إرسال تعليق