آذار القلب
كتابة وتصوير:جهاد جبارة
قبل أيام قليلة أتاحت لي "الرأي" أن أحمل قلبي كي يخفق هناك.... على تراب البادية الشمالية الشرقية,وهي العروس المستلقية على فراش التربة المشبعة بدم الروح، ولُهاث الشوق المتاخم للصحراء، وللحرة البازلتية الشماء، المُعتقة بسواد براكين الأرض منذ آلاف الأعمار الشاردة من فتى تحول إلى كهل بلمح البصر لكنه أضاع عمره كله عاشقاً للفيافي التي تنبسط على رقعة الأرض إلى ما لا نهاية.
ها هو آذار يوشك على الرحيل و لا بد أن ثمة غيمات لا زالت تستعجل المرور عبر ذلك الفضاء الصحراوي الرحب، ولعلها ستمطر، ولعل ما تبقى من آذار سيجلب برداً، وريحاً لا زالت مخبأة في خزائن أيامه.
يا ذي العجوز التي وعلى الرغم من هذه الأيام المفاجئة الدفيئة، كُفي عن التحطيب، يا عجوزاً اشتهيتك أن تكوني أمي بعد أن قتلني صقيع غياب أمي!، يا صاحبة الوشم، والبسمة الطيبة التي تكشف عن أسنان براقة، كُفي بالله عليك عن التحطيب اليوم فقط، وارتاحي لو قليلاً من عناء البحث عن أخشاب تمهيداً لحرقها لإعداد قهوتك السمراء التي عادة ما تُعطر ليالي السمر، خذي بعضاً مني واحرقيه ثم تنفسي الصعداء، فالأبناء إن لم يحترقوا لأجل أمهاتهم فهم والله عاقون.
أما أنت يا أيها الفتى هناك,أما زلت ترتكي على حواف الأسوار البازلتية تراقب جدتك وهي تهم بجمع الحطب كي تطعمك على ناره؟
أفق من كسلك الطفولي الجميل، وتخلص من هذا العبث فإن ثمة أيام تنتظرك كي تكبر ويشتد عودك لتصبح سيد البيت الذي يحمل جدته على كتفيه ليطرق جنبات الأرض بحثا عن الحطب الذي لم يعد بمقدورها جمعه.
هناك في البادية الشمالية الشرقية، حيث البلدات أم القطين، المكيفتة، الثلاج، المنيصة، أم الجمال، الرفاعيات، تل رماح، دير الكهف، خشاع القن، مثناة راجل وغيرها الكثير يحتار القلب إلى أي منها يلوذ، ويحتار أين يتوقف لينهي هذا العمر الذي سلب نكهته صخب المدينة التي لا ترحم
0 التعليقات:
إرسال تعليق