2010/05/22
النائب السابق محمد بخيت المعرعر
المنطقة الشمالية الشرقية من الاردن, منطقة مهمة جغرافيا وتاريخيا غنية بالمآثر والتراث, غنية بالتاريخ والحضارة, وهي امتداد لجبل حوران, تمتد ما بين غوطة دمشق شمالا والى الازرق جنوبا, والجزء الجنوبي منها يقع في الاردن, سكنها الانسان الاول في العصور الغابرة, في مواقع وقلاع جاوا والركيس على أودية راجل والعاقب, وتنتشر فيها مواقع اثرية من العصر الحجري مثل الخنيفس وعشعوشة والمشنشل والخشاع واخرى كثيرة.
هذه المنطقة الموقع الذي يصل بين بلاد الشام والجزيرة العربية ومناطق الخليج والشرق, واول موقع ترتاده القبائل العربية القاصدة بلاد الشام والسواحل الشامية منذ اقدم العصور.
في هذه المنطقة من الجانب الاردني تقع مدن اثرية مهمة ومراكز تجارية ايضا, مثل أم القطين وأم الجمال وقرى اثرية اخرى مثل الدفيانة وصبحا ودير الكهف ودير القن.
وتعبر هذه المنطقة الطريق التجاري الداخلي القديم, حيث الطرق المعبدة لمسير العربات بين الازرق وبصرى الشام وطريق آخر للقوافل, بجانب الطريق المعبدة معلمة بسلاسل حجرية, تدل على اهمية هذه الطريق التي تعبر من دمشق والسواحل السورية الى الجزيرة العربية واليمن والى الخليج والشرق الاقصى.
وقد استعملها الايوبيون والمماليك في الحروب الصليبية للحج, ولمسير الجيوش, حيث تتفرع طرق عدة من الازرق فبائر فعمان والى مصر والحجاز عدا طريق الازرق دومة الجندل, وتم ترميم قصر الازرق عام 634 ه¯ وقلعة صرخد 636 ه¯ ثم قلعة بصرى عام 635 ه¯, في العهد الايوبي والمملوكي.
وكانت أم الجمال وأم القطين من المراكز التجارية المهمة, حيث ان أم القطين كان فيها لعام 1925م لا يقل عن سبع كنائس وسبعة ابراج وعدة برك كبيرة لحفظ المياه, تم ضربها من قبل الفرنسيين قبل عام 1925م, وتم تهديمها ثم نقل حجارتها الى القرى المجاورة, وفيها نقوش نبطية ويونانية ورومانية وعربية قديمة.
وتحرس هذه الطريق التجارية عدة قصور منحوتة على تلال بركانية ابتداء من قصر تل قعيس جنوب أم القطين, فقصر المنارة وقصر المنسف, ثم قصر الاسيخم شمال شرق الازرق, وتجلس على ربوع هذه المنطقة الاردنية تلال بركانية معروفة ومشهورة لها تاريخ, وعلاقة قديمة وحديثة بالمجتمع ليتغنى بها, ويشرف منها ويتنفس الهواء العليل على سفوحها.
ومن هذه التلال المهمة:
تل حسان, هذ التل الوادع البارز الى الشمال من الازرق, سمي باسم شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت, الذي توفي وهو عائد من دمشق الى المدينة المنورة وقد قال - رحمه الله- (تركت حوران والآل دونه) اي الجبل والسراب دونه, ويعتقد انه مدفون على قمته الا ان معاول الهدم حطمته وهدمته, ودمرته الجرافات والآليات أثرا بعد عين.
وجاء بعده تل رماح الذي يرتفع 1235م عن سطح البحر, ويشرف على مناطق واسعة الى الشرق والجنوب والغرب, وهو كسنان الرمح يتسم بمهابة وجلال تكسوه الثلوج, وتتخطفه الغيوم في الشتاء, الا ان المعاول الحاقدة قد طاولته, ونهبته الشاحنات وحطمته الجرافات, الا السفح المطل على بلدة تل رماح حملته الاقدار الى مصانع الاسمنت وتم بيع رماله ونثرها في المتاهات.
ولم تتوقف المعاول على ما فعلته في المعلمين المهمين المذكورين, الا انها امتدت ومنذ مدة الى تل قعيس جنوب بلدة أم القطين, الذي يطل على قرى عدة, وعليه قصر منحوت يقال انه حصن امرئ القيس الشاعر العربي الجاهلي, وهو مدفون شمال جبل حوران في الصفاة, وعلى هذا التل مقابر اسلامية قديمة وحديثة لاهالي المنطقة, يربض هذا التل كالاسد الهصور وكسفينة تعبر المحيطات على منصة من الصخور البركانية, ترتفع على ما حولها ويحيط به الأفق والسماء الزرقاء في منظر خلاب مهيب, عاصر الزمن والممالك والجيوش والحضارات, الا ان معاول الهدم اصابته وتناولته الجرافات والآليات بالتدمير والحفريات وبقي القصر والقبور معلقة في الهواء, ولم تستجب الجهات الرسمية لنداءات الاهالي واعتراضاتهم, وبقيت الشركات بالتعدي عليه, فطغى الحزن والاسى على ابناء المنطقة بما حل بهذا المعلم التاريخي والجيولوجي والحضاري من هدم وظلم وبما حل بهم من حرمان من الانتفاع بجماله وسحره, وحرمانهم من السهر والجلسات على صهوته واستنشاق الهواء العليل وسرح المنظر في الأفق البعيد المطل عليه وبما له من علاقة بالمجتمع لا حدود لها منذ اقدم الزمان.
ان هذا المعلم مهدد بافتراسه ونهبه وزواله خلال عام ان لم يوقف العمل به فورا والاستجابة لمطالب وشكاوى اهل المنطقة العادلة.
وعد معي أخي الى منطقة الرفاعيات, تلال وادعة ومنسقة وجميلة الى الغرب من تل الرماح والى الشرق من تل قعيس, تتابع من الشمال الغربي الى الجنوب الشرقي كحجارة الشطرنج, تعلو وترتفع في الرفاع الشمالي الى 1225م عن سطح البحر, وفي تل المجنون ترتفع الى 1100م عن سطح البحر ايضا.
الا ان معاول الشركات امتدت الى هذا التل حديثا وقد تكون مستأجرة من سلطة المصادر الطبيعية ودائرة الاراضي, كما فعلت بالتلال السابقة الشيء مثله وهو مهدد بالزوال والاجتثاث/ وللتل قصة ثقافية حدثني بها الشيخ عواد البريك من كبار المساعيد وبلدته الرفاعيات عن نسبة اسم هذا التل فقال: هذا مجنون ليلى يعني ان قيس مدفون عليه »لعمري ما هذه التلال وما هو ماضيها المجيد والشامخ« واليوم تقوم الجهات المعنية بالعبث وهدم هذا المجد والتاريخ, فأين هي من ذلك وزارات الثقافة, والآثار, البيئة, السياحة, والجامعات الاردنية من عبث هذه السلطات بهذه المعالم وتجريدها من التراث والتاريخ, الذي لا يعوض بثمن. وبدلا من ان تكشف عن هذه الكنوز لاستغلالها سياحيا وعلميا وتاريخيا فقد أغمضت العين عنها لتذهب هذه التلال وبأثمان رمالها في جيوب المفسدين والمتاجرين بمصير الاوطان والأمم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق