كتابة مفلح العدوان - شمال المفرق.. وعلى مسافة 17كم من مركز المحافظة، توجد قرية سما السرحان، مستقرة بتاريخها، وبحضورها، على الحد مع الجانب السوري هناك..
وهي القرية التي ارتبط اسمها في تداعياته الأولى بسهل حوران حيث كانت تدعى ''سما حوران''، لأنها على اتصال حيوي بمنطقة حوران الجنوبية.ولقد جرى التغير والتحول في الاسم على المقطع الثاني منه، بينما بقي المقطع الأول ، وهو سما، من السماء أو السمو والعلو والارتفاع، ثابت متكرر طيلة مراحل تحولات الاسم، وكل هذه المعاني المرتبطة بالمقطع الأول ''سما''، تتوافق مع تفسير أهل المنطقة لهذا الاسم في أنه ''نسبة إلى رؤية السماء من خلال المياه المحجوزة خلف السدود القديمة في القرية، والتي تعكس السماء في الماء، فأطلق عليها اسم سما''..
وامتداد لهذا الحال جرى تسمية القرية أيضا ب''سما السدود''، وذلك لكثرة السدود القديمة، وانتشارها فيها،وهناك إشارات أخرى تحيلها إلى الكتابات القديمة، كالكنعانية، مرجعتها إلى أصلها الذي كانت عليه كما هو الاعتقاد بأنها ''سما اشتوك''، وتم بعد ذلك النحت في الاسم لتستقر على ''سما أسدود'' ثم ''سما السدود''.
بعد مسيرة الاسم هذه يكون التحول،الحديث، الأخير له ليكون على ما هو عليه الآن ''سما السرحان''، خارجا من الانتساب إلى بعض تفاصيل وجغرافيا المكان، ليتم نسبته إلى الإنسان المعبر عنه بتجمع اجتماعي، هو قبيلة السرحان.
لافتة الاسم
قصة الاسم لا تتوقف عند هذا الحد، فبعد أن تم إطلاقه،أخيرا ليصبح ''سما السرحان''، صار لا بد من إشهاره، ولهذا فيتحدث كبار القرية أنه بعد تثبيت هذه التسمية الأخيرة، رسميا، تأخرت بعض المؤسسات في تعليق اللافتات التي تظهر الاسم الجديد للقرية، فكان أن أسرّ بعضهم إلى مديري تلك المؤسسات، على سبيل الفكاهة والمداعبة أنه إذا لم يتم تثبيت الاسم الجديد فهناك غرامة مقدارها خمسة دنانير ستفرض عليهم، وكانت رسالة مبطنة للتعاون والإسراع بتثبيت الاسم الجديد للقرية.
كما أنه هناك جانبا آخرا مرتبط بسما السرحان، ويتعلق بتسميات أحواض القرية التي يلاحظ المتأمل فيها بأن أسماءها تكون دائما بإضافة رقم الحوض إلى كلمة سما، مثل ''حوض سما1''، و''حوض سما2'' وغيرها.
وهذا الحال امتد ليشمل، أيضا، بعض القرى المجاورة والتي يلاحظ، أيضا، ارتباط تسميات أحواضها بكلمة سما في المقطع الأول قبل رقم الحوض، وهذا يشير إلى امتداد القرية الأم إلى تلك الأماكن المحيطة بها، مثل زملة الطرقي الواقعة في ''حوض سما ''6، وسميا في ''حوض سما7''.
الخريطة الاجتماعية
أما وأن الاسم استقر على سما السرحان، فلا بد من العروج قليلا على العائلات التي تسكن القرية، حيث تشير الخريطة الإجتماعية إلى أن سكان سما السرحان هم من فخذ الراشد من عشائر السرحان، وتتفرع منه العشائر التالية وهي:'' النوافلة، المجاشعة، البعيج، الحمدان''.
ويذكر ''فريدريك ج بيك'' في كتابه ''تاريخ شرقي الأردن وقبائلها''، أن '' السرحان قبيلة عريقة في القدم، قال عنها ابن دريد الأزدي أنها بطن من الأسبع من كلب بن وبره، وكلب قبيل عظيم من قضاعة.
كانت هذه القبيلة أقوى قبائل حوران، وأعظمها سلطانا في القرن السادس عشر، وقد كانت على رأس حلف قبائلي كبير يدعى بأهل الشمال ويضم قبائل العيسى والفحيلى والفضل..
خرج السرحان من حوران حوالي عام 1650-1700م، ونزلوا في الجوف..
وقبل الحرب العامة ببضع سنوات أراد والي سوريا تحضير البدو،..،فدعا رؤساء السرحان وزعماؤهم وأقنعهم بوجوب هجر حياة البداوة وحبب اليهم الاستقرار والزراعة، ولما قنعوا من أقواله منحهم ثلاث قرى تقع بين درعا والمفرق''.
كتابات قديمة
لقد بنيت على مدينة قديمة..
هذا هو حال ''سما السرحان''، عندما يراد الخوض فيها تاريخيا وآثاريا، وأهميتها تنبع من كونها كانت إحدى محطات الطرق القديمة، وحلقة الوصل بين تدمر والكرك، وبين الشمال والجنوب.
ولذلك فقد حافظت على أهميتها في عصور عدة، وهذا واضح من حجم الآثار، والنقوش الموجودة فيها، وهذا يشير، أيضا، إلى أنها كانت مأهولة منذ أزمنة قديمة، مرورا بعهد الرومان، والأنباط، والبيزنطيين، والغساسنة، والأمويين.
وتوجد في سما السرحان مجموعة من الآثار التي تعكس بعض هذا الحجم من التاريخ كالكوم القديم الذي يعتقد بأن تحته توجد مرافق المدينة القديمة، كذلك الآثار الرئيسية التي توجد مقابل هذا الموقع والذي يسميها البعض المذبح، أو المئذنة، أو البرج الذي جرى ترميم بعضه حديثا، إضافة إلى الأقواس الحجرية، وبعض الغرف، والمعالم المنتشرة في القرية والتي يعتقد بأن بناءها نبطي تم تجديده وترميمه في عهد الرومان والبيزنطيين والغساسنة والأمويين.
ويذكر المطران ''سليم الصايغ'' في ''كتابه الآثار المسيحية في الأردن''، بعض الدلالات على عراقة سما السرحان، ويشير إلى شواهد قبور وثنية في القرية، حيث يورد نقوشاً وجدت عليها، مثل'' أبابا ابنة سوايدوس 100سنة''، و''لقد فقدناك يا اسكندر بن جرمانوس 70 سنة''، و''لقد فقدناك يا فاوستينوس بن لاون، لا أحد مخلد على هذه الأرض 25 سنة''.
كما أنه في العام4/1905 كان هناك بعثة في سما السرحان لجامعة برنستون، وقد اكتشفت في تلك الفترة آثار كنيستين ودير، واحدة من الكنيستين شيدت إكراما ل''القديس جاورجيوس''، وكتب فيها على قمط الباب'' أيها الرب، إله القديس جاورجيوس، أعن جاورجيوس بن مقياس، وسليمانة ابنة سرجيوس''، وهذه الكتابة من العهد البيزنطي.
كما أنه عثر بين الأخربة على قمط آخر جنوب شرق آثار الدير، كتب عليه باللغة اليونانية:''أيها الرب، أعن توما، فأنت المسيح الملك، وأنت المسيح المظفر''.
وفوق باب آخر وجدت كتابة هي ''السيد الرب، رب الجنود السماويين، سنة 541''.
وهناك كتابات ونقوش أخرى، وجدت في مواقع مختلفة في سما السرحان، يوردها المطران الصايغ في كتابه، مع تحليل لتاريخها، وتسليط الضوء على بعض جوانب الحياة الدينية في تلك الفترة.
دار الغولة
لكن التمعن في الآثار، وتتبعه بحسب ما يشير إليه أهل القرية، يحيلنا إلى قصص، وتفاصيل قد لا توجد في الكتب الأثرية، مثل ما يقال عن ''دار الغولة'' في ''سما السرحان''.
ودار الغولة، هو بناء أثري قديم في القرية وهو ليس ملتصق بالآثار الموجودة في وسط البلدة بل ينزاح وحيدا بين البيوت السكنية، الآن، حيث يتحدث أهل القرية عنه بأنه بيت مسكون بالجن والأرواح الشريرة، ولهذا يصفونه ببيت الغولة. ويضيف على ذلك نفر آخر بأن التسمية في الأصل كانت ''دار الملكة أنغولا''، وجرى تحويلها بعد ذلك لتصبح ''دار الغولة''، وبخاصة وأنها مكان مهجور، ويتوهم الناس أصواتاً، وقصصا حول هذا المكان الذي توجد فيه قنوات داخلية، شبيهة بقنوات المذابح، مما جعل البعض يخمن أنه إما كان مسلخا، أو مذبحا، أو طاحونة ماء في قديم الزمان، والبعض يشير إلى أنها كانت محكمة قديمة.
الكَركون
أما الكوم، أو التل الأثري، الذي تتراكم عليه الحجارة وسط القرية، فهو عبارة عن قلعة كبيرة انهدمت، وكان فيها إسطبلات وسجن، و''لما انجرف الشارع ظهرت أسوار القلعة القديمة''، وقد استخدم هذه القلعة الأتراك في مرحلة سابقة كمخفر ومقر قيادة لهم، ولهذا فإن كبار سما السرحان ما زالوا يقولون عنه بأنه ''الكركون''.
لكن الكنيسة الرئيسية في سما السرحان، تقع غرب البلد ولها أرضية فسيفسائية، عند المدخل الذي تزينه ثلاثة صلبان، وقد سكن الأتراك هذا المكان، ويشير أهل القرية أن الأتراك استخدموه مسجدا أيام كانوا موجودين في المنطقة.
سيرة قرية
تقع سما السرحان إلى الشمال الشرقي من المفرق، وتبعد عنها 17 كم، وهي مركز قضاء سما السرحان من لواء البادية الشمالية الغربية من محافظة المفرق، وتتبع إلى بلدية سما السرحان.
تقع سما السرحان على خط الطول 35 درجة و 50 دقيقة شرقا، ودائرة العرض 32 درجة وثماني دقائق شمالا، وتبعد عن الحدود السورية التي تحدها من الشمال 2كم، ويحدها من الغرب سكة الحديد، ومن الجنوب سميا ورباع، ومن الشرق قرية أم السرب.
الديموغرافيا: يبلغ عدد سكان قرية سما السرحان4031 نسمة( 2041 ذكورا و 1990 إناثا)، يشكلون 618 أسرة، تقيم في 744 مسكنا.
وسكان القرية هم من عشيرة السرحان، ويعملون في الزراعة وتربية الأغنام والوظائف الحكومية.
التربية والتعليم: توجد في القرية خمس مدارس هي مدرسة سما السرحان الثانوية للبنين، ومدرسة سما السرحان الثانوية للبنات، ومدرسة سما السرحان الأساسية المختلطة، ومدرسة سما السرحان التأسيسية للبنين، ومدرسة سما السرحان التأسيسية للبنات.
الصحة: يوجد في القرية مركز صحي شامل، ومركز أمومة وطفولة.
المجتمع المدني: يوجد في القرية الهيئات المدنية التالية: نادي سما السرحان الرياضي، ومركز شباب سما السرحان، ومركز تحفيظ قرآن، وجمعية سما السرحان التعاونية لتربية الأغنام، وجمعية سما السرحان التعاونية الزراعية، جمعية السرحان للتنمية الاجتماعية.
* يوجد فيها مركز قضاء سما السرحان،ومركز أحوال مدنية، ومركز أمني، ومركز بلدية، وبريد، ومكتب تنمية اجتماعية، ومسجدان.
كتابة مفلح العدوان - إن ذاكرة القرية في سما السرحان ثرية، وعامرة بتاريخ يمكن التعبير عنه بالوثيقة والدراسة حينا، وأحيانا أخرى بما يتوارده الكبار من تاريخ شفوي يحفظونه عن هذا المكان.
ولعل تتبع بدايات الاستقرار يلقي بعض إضاءة على هذا التاريخ الاجتماعي ويضيف مسوغات أخرى لتعدد تسميات المكان ، حيث يشير إلى ذلك الدكتور عبد العزيز محمود في ''المسح الأنثروبولوجي الميداني في البادية الشمالية الأردنية/ المرحلة الأولى''، وهو يعتمد في بعض تحليلاته هذه على كتابات الرحالة وملاحظات البعثات التي زارت سما السرحان، مثل ما كتبه شوماخر، وما أشار إليه كل من دوساد وماكلر، إضافة إلى وصف بتلر للنواحي العمرانية القديمة فيها.
يقول الدكتور محمود: ''وقد قدم الفلاحون من قرى جنوب حوران مع مطلع هذا القرن(ويقصد القرن العشرين)، وبنوا أول مسكن ثابت في سما السرحان في عام 1925م، ومع نهاية الخمسينات غادروا من جديد إلى قراهم الأصلية في حوران تاركين مواقعهم لعشائر السرحان شركائهم في العمار والجوار وفي الإقامة بالمنطقة أثناء التردد عليها للانتجاع تاركين وراءهم تراثا ريفيا ساعد على ثبات الاستقرار الدائم في المنطقة''.
ويضيف كذلك الدكتور محمود في دراسته قائلا ''أما الروايات المحلية، في قرية سما السرحان، فتشير إلى أن أول مسكن ثابت بني في سما السرحان كان عام 1934م، بناه الشيخ صالح الخشمان السرحان على الأطراف الجنوبية من الخربة الأثرية، وهو الذي فوّض بأراضي المنطقة من قبل إدارة أراضي شرق الأردن، وبدوره قسم الأراضي والأحواض على أرباب العائلات من عشائر السرحان ومنهم: سلامه السليك، شومان السرحان، مناور معيوف، وضامن الرافع''.
كما يعطي بعض التفاصيل حول مراحل التكوين الحديث للقرية الحاج ضيف الله عاصب السرحان(أبو زعل)، وقد كان أول رئيس لبلدية سما السرحان، وهو يقول في ذلك السياق أنه ''في حوالي عام 1935م كان سما السرحان كوم حجر أسود، وكنا بدو رحل، ولما تملكنا هان استقرينا أولاً بأول، قبل هيك لما كانت خرابة كنا نرحل منها بالشتا، ونرجع إلها بالصيف''.
ويشير هنا إلى الأربعينات، وحول أول بيت بني في تلك الفترة، في القرية، فيقول'' كان أول واحد عمّر هو سلامه النومان، بنى بالأربعينات، يعني بالخمسة وأربعين أو الستة وأربعين(5/1946م)، وهو عمّر ثلاث غرف بالجهة الجنوبية، من حجر أسود من حجارة البلد، وثاني واحد عمر بهذيك الفترة كنت أنا، وهذا كان في دار من الآثار، رممتها، وسكنت فيها، وكان بيها بير ماء''.
''صَدَق أبو مصطفى''
يتذكر أهل القرية أن الخدمات الحقيقية وصلت إلى قريتهم بعد زيارة شهيرة للمرحوم وصفي التل، أيام كان رئيسا للوزراء، ويعرج على تفاصيل هذه القصة الحاج أبو زعل بعد أن يتحدث عن المدرسة والعيادة في القرية، كمفتاح للتطور الذي حدث، وفي هذا السياق يقول: كانت أول مدرسة في ''دار سلامه، ، وقمنا سكنّاه ببيت شعر، وحطينا المدرسة في هذيك الدار، وما كان فيها إلا صف أول..
وبالنسبة للصحة، كان يجينا من المفرق دكتور اسمه سليمان بقاعين، وكان يمر عندنا بالأسبوع مرة، وكان يعالج الناس من أهل البلد عندي بالدار، وبعد فترة قال لي والله تعب عليك انه نعالج الناس عندك بالدار، إيش رأيك تأجرنا غرفتين عندك بالحوش، وبالفعل استأجروا مني، وبعدين عمّرنا على الغرفتين وصار مركز صحي.
لكن الخدمات الصحيحة إجتنا مع زيارة دولة المرحوم ''أبو مصطفى'' القرية، وهذي إلها قصة يوم انه أجا وصفي التل واتغدى بمغير السرحان، بعدين أجا عندي المزرعة، وقال ودي تقول لي أي اشي تحتاجه سما، فكان ردي عليه انه أجونا حكومات قبلك وما عملوا إلنا اشي. لكنه قال لي احكي، وبعدين نشوف. فقلت له، أول حاجة الطريق يا أبو مصطفى.
قال :أنا شفته، ورح نزفته.
قلت:عندنا عيادة، ووضعها خربان، ومعششة فيها الحيايا والعقارب.
قال:بكره الساعة ثمانية الصبح يجيك امبلنص وفيه أربع أسرة، تشوف له مكان عندك.
قلت له: والجامع، عمرنا منه غرفتين وما كَمّلناه.
قال: الجامع، بعد أسبوع تراجع الأوقاف عشانه.
قلت:والمدرسة موجودة بالجهة الشرقية وصرنا بانيين شمعاتها، ومش قادرين نكملها.
قال:تراجع التربية بعد أسبوع وانشاء الله تكون محلولة مشكلة المدرسة.
وخلّص أبو مصطفى زيارته، ورحل.
ونمنا ليلتها، واحنا ناسيين الوعود، يعني كنا مفكرين انه وعده مثل غيره، وانه رح يتأخر علينا.
لكن ثاني يوم، ومن الصبح، وإنوا صوت الإمبلنص يدوّي بالقرية..كمان اتفاجأنا انه بعد سبعة أيام وانه الآليات تشتغل بالشارع للقرية، وزفتوه خلال هذه الفترة. وقمت أنا راجعت بعد أسبوع التربية وانهم مجهزين أربعة آلاف دينار للمدرسة، وراجعت،كمان، الأوقاف وكان إلنا بيها ألفين دينار عشان الجامع، وبعيدها قلنا ''صدق أبو مصطفى''، وصارت سما، وكبرت من يومها''.
البلدية
يتحدث أهل سما السرحان بأن المجلس القروي تشكل في قريتهم عام 1974م، وبعد ذلك بسنة تم تحويل هذا المجلس إلى بلدية \(أي في عام 1975م). ويضيف على ذلك الحاج ضيف الله غاصب قائلا ''وجبنا لسما ناحية كمان، وما لقينا محل نحطها فيه، وصرنا نترجى الناس عشان مقر للناحية''.
وعند تتبع سيرة رؤساء البلدية منذ تأسيسها نلاحظ بأن أبو زعل كان هو أول رئيسا يعين لبلدية سما السرحان، وقد بقي فيها حتى عام 1981م، ثم تلاه السيد سلامة الخشمان لمدة حوالي حوالي ثمانية عشر عاما، وبعده السيد هزاع عواد البسام.
سد سما
لا بد من المرور على سيرة الماء في سما السرحان، إذا أردنا أن نتتبع تفاصيلها بشكل صحيح، لأن هذه السيرة هي بعض من بوح هذه القرية، التي ارتبطت في كل مراحلها بالسدود والماء، حتى أن هذه السمة تجذرت وارتبطت بالإسم، سما، من انعكاس السماء على الماء، وبالسدود التي كانت منتشرة في القرية بكثرة، فتشكل تركيب اسمها في مرحلة من تاريخها ليكون ''سما السدود''. وما زالت بعض بقايا من تلك السدود القديمة حاضر هناك، حيث يوجد سد قديم على بعد ثلاثة كيلو مترات شمال غرب سما السرحان وهو مبني من الحجارة الحمراء ويسمى السد التركي، وموقعه قريب من سكة الحديد، قبل قرية جابر.
كما أنه في أطراف قرية سما السرحان، وعلى الحد مع سوريا يوجد ''سد سما''، الذي ما زالت المياه تتجمع فيه، ويشكل خزانا حقيقيا، إلا أنه مهمل، لقلة الصيانة، والعناية به، حتى أن القناتين اللتين كان يستفيد منهما أهل المنطقة في ري مزروعاتهم، هما الآن مغلقتان، و''مدمولتان بالأتربة، ولا يوجد من يتابعهما''.
ويتحدث عن تفاصيل بناء السد ووضعه الراهن الحاج ضيف الله غاصب قائلا:''السد انبنى بالسبعينات، يعني ببداية السبعين، وجرى تعميقه قبل سنتين، والجهة المشرفة عليه كانت وزارة الزراعة..وكان عليه قناتين اثنتين، ووضعه بمرحلة سابقة كان كويس، ونستفيد منه، يعني يسقي الناس، وكانوا أهل سما يرووا أرضهم وزرعهم، ويوردوا حلالهم عليه. لكن مرت فترة بعد هيك، تم إهمال السد، وخربت القني، وصار فيها تهريب، وما عملوا على صيانتها بشكل جدي.. وبهذا الوقت، حاليا، صار السد مهمل وما تستفيد منه إلا شلايا الحلال''.
وإضافة إلى هذه السدود فإنه توجد في القرية عدة آبار وبركة قديمة تقع شرق سما السرحان، وتبلغ مساحتها 1000م2 بعمق 4م تخضع لعمليات صيانة مستمرة من قبل أشغال البلدية.. وقد كان أهل القرية ''زمان أول''، يعتمدوا على غدران الميه العادية، والشرب يكون من هذه الغدران ومن بيار الجمع''.
كما أنه يوجد في سما السرحان أكثر من عشرين بئر ارتوازي، يستغلها أصحابها في زراعة الحبوب والخضروات والأشجار المثمرة، إلا أن أهل القرية يتحدثون عن تراجع في هذا الدور الزراعي، في الفترات الأخيرة بسبب غلاء أسعار المياه، والمحروقات، وقد انعكس هذا الحال سلبيا على الزراعة، وفي هذا السياق يقول كبار القرية'' كان في القرية أكثر من 25ألف شجرة، لكن بسبب ارتفاع أسعار المياه، وفي نفس الوقت ارتفعت اسعار الوقود، فصار الناس يحرقوا الشجر، ويستعملوه حطب علشان يتدفوا عليه، علشان يختصروا سعر الميه، ويوفروا بمصروف الوقود والمحروقات، يعني صار شجر الزيتون حطب للصوبات بدل ما يصير زيت زيتون !!''.
''بندقية جي ثري''
دائما للقرى الحدودية ذاكرة وقصص خاصة، تفرضها طبيعة وخصوصية موقعها، فكانت هناك بعض الحكايات حول التسلل من الحدود والتهريب، ولكن القصص الأكثر كانت في مراحل الحروب والأزمات، خاصة في فترة أزمة السبعين، وقد كان قائد لواء أربعين أحد أبناء هذه القرية وهو اللواء عطا الله غاصب، وعائلته وأقاربه فيها، كان يمارس عليه، من خلال التضييق على القرية، ضغطا للانسحاب من منطقة الحدود، ولما رفض ذلك زاد الضغط على أهل القرية.
ويسترسل الحاج ضيف الله (وهو شقيق اللواء عطا الله)، في حديثه عن تلك الفترة، ويقول انه خلالها ''التقى بالعقيد سوار الذهب، اللي صار بعد هيك رئيس السودان، وهذا كان يخدم مع القوات لحفظ الهدوء على الحدود الأردنية السورية، وجاء حينها إلى القرية في مهمة عسكرية، يدور على مجموعة مسلحة دخلت الحدود، وكان معه مقدم أردني اسمه احمد حسين الحموري..كمان كان هان بالمنطقة محمد ضياء الحق، جابوه مساعد لعطا الله، وما قدر يتحمل، فلما أجا ظافني عالبيت، وأهداني بندقية، تركها ومشى، وفكرته ناسيها، فلما لحقته بيها، قال هذي هدية مني الك، وكانت بندقية نوعها جي ثري...وكل هذه الاحداث صارت وانا ببيتي عالحد، كانت مزرعتي هناك عالحدود السورية''.
0 التعليقات:
إرسال تعليق